الثلاثاء، أكتوبر ٢٤، ٢٠٠٦

طفلة بين الأطلال

سارة مولودة في وسط العاصمة بيروت أبان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت سنة 1982 ، من أم بريطانية تزوجت من والدها وهي بعمر 16 سنة ، وأنجبتها بسن 18 سنة ، وتركتها وهي بعمر الشهرين , بسبب مرض والدتها في المملكة المتحدة , وبقية سارة مع جدتها و جدها و عماتها الخمس , وبعد ذلك لم يكن هناك أي خبر عن الأم لسنين طويلة وعاشت سارة وحيدة , وذلك بسبب فرق السن بينها و بين جدتها و عماتها الخمس .



في تلك اللحظات كانت والدة سارة تبحث عنها عن طريق الصليب الأحمر, وأبلغتها المندوبة بان البيت الذي تقطنه سارة دمرت تماما ، وكل سكان العمارة قد توفوا أثناء القصف الإسرائيلي ، ولكن ذلك كان غير صحيح لأن تلك المندوبة ذهبت إلى عنوان آخر ، ولم تصدق الأم كلام المندوبة لأن إحساسها كان عكس ذلك.




بعد ما تركتها والدتها ، قرر الأب السفر إلى الخارج ، وترك سارة عند جدتها في بيروت ، و قد سافر الأب حوالي 16 سنة إلى بلدان مختلفة ، ولم يتسنى لسارة أن ترى أبيها إلا سوى بضعت أسابيع ، طوال فترة غيابه , ومن ثم استقر في لبنان بعد زواجه , و بعد ذلك قام بافتتاح محله في جنوب لبنان ، ولكنها لم تعش مع أبيها و زوجته ، ذلك بسبب أنها لا تقدر أن تعيش مع أثنين تجهلهم تماما من الناحية العقلية ، مع العلم إنها كانت بعمر ال 16 سنة ، و في تلك أثناء تعرفت سارة على شاب كان زميلها في المدرسة ، و استمرت هذه العلاقة لفترة طويلة.


وأثناء غياب الأم عن أبنتها ، أكملت أم سارة تعليمها الجامعي وتخرجت محامية ، وبدأت تختار القضايا التي تهتم بالطفل تعويضا عن ابنتها التي راحت بسبب القصف الإسرائيلي على بيروت حسب ما تعتقد ، وحاولت الذهاب لبيروت ولكن احد أقاربها أبلغها بأنها مطلوبة من السلطات اللبنانية ولا تستطيع دخول البلد , الأمر الذي حال بينها وبين سارة واكتفت بذكراها وهي بعمر الشهرين ، ولكن كان يراودها إحساس بأنها حيه ترزق ولم تمت .


وبعد 21 سنة تبدأ سارة البحث عن والدتها التي لم تسأل عنها طوال تلك الفترة الماضية ، ولكن ذكراها كان عايش معها كل يوم في مخيلتها ، وفي يوم من الأيام قررت سارة بعد أن تخرجت من الجامعة أن تحاول العثور على والدتها ، فقامت بالاتصال بأحد أقاربها التي كانت تعيش في بريطانيا ، وتبلغها بأن أمها موجودة ، وهي محامية مرموقة في بلدها ، وتطلب منها أن تساعدها ، و ذلك عبر الضمان الاجتماعي في بريطانيا ، و أخذت هذه التدابير حوالي الأسبوعين ، و بعد ذلك اتصلت القريبة بأم سارة ، و أخبرتها أن أبنتها تحاول العثور عليها ، فكان جواب الأم ايجابي ، وطلبت منها أن تعطيها رقم تلفون أبنتها ، ولكن القريبة رفضت و قالت لها أنها يجب أن تكلم والد سارة قبل أن تعطيها الرقم ، لان ذلك سوف يكون صدمة على سارة ، وبعد ذلك أخذت أم سارة رقم هاتف زوجها السابق و تكلمت معه .



و كانت تلك صدمة عليه ، و تكلموا في عدة مواضيع منها سبب غيابها طوال هذه السنين ، و بعد أن انهوا المكالمة ، كانت سارة في تلك الأثناء تنتقل هي و جدتها إلى منزل جديد ، فاتصل الأب بسارة ، وقال لها تدريجيا خبر العثور على والدتها ، ولكن الصدمة كانت أكبر من سارة ، فلم تصدق ذلك ، فقرر الأب النزول إلى العاصمة لكي تتكلم سارة مع والدتها لتصدق الخبر.




فطلب من جميع أفراد العائلة أن يتواجدوا في منزل الجدة ، لكي يزف الخبر لأبنته والعائلة , فاتصل الأب بأم سارة ، و في تلك اللحظة شعرت سارة بأن الموضوع كان صحيحا ، فطلب الأب من ابنته التكلم مع والدتها ، ولكنها رفضت بسبب الخوف ، وفي تلك اللحظات العصيبة نسيت سارة كل الحروف التي تعلمتها في اللغة الإنجليزية ، وأصبحت لا تستطيع أن تكلم أمها ، وبالتحديد كانت المكالمة بتاريخ 9- يوليو-2003 ، تلك المعجزة التي هزت العائلة بأكملها ، لأنه كان شيء غير متوقع على الإطلاق.



وبعد ثلاثة أسابيع ، تأتي الأم إلى لبنان بدعوة من أبنتها ، فكان هذا اليوم هو الأجمل في حياة سارة ، حين التقت بأمها في المطار مع والدها وعمتها و زوج المستقبل لسارة ، كانت لحظات يصعب وصفها ، و كان ذلك في ساعات الفجر الأولى ، وبعد أن وصلوا إلى المنزل واجتمعت كل العائلة فرحا بوصولها ، وبعد أن غادر الجميع بقيت سارة مع والدتها و جدتها في المنزل .




وكانت الأم منتظرة من أبنتها أن تعاتبها على تلك السنين التي غابت عنها ، ولكنها تفاجأت بان ابنتها لم تسألها حتى عن سبب غيابها ، لأن سارة كانت بحاجة إلى أمها بالدرجة الأولى ، وطوي صفحة الماضي ، وفي اليوم التالي أعدت سارة فطور لها و لوالدتها ووالدها ، و كان هذا أول يوم في حياة سارة الذي يجمع سارة بوالديها على مائدة طعام أو حتى الجلوس سويا، وأصبحت سارة تذهب إلى بريطانيا كل سنة.




والآن سارة تزوجت من تلك الشخص الذي كان يرافقها بالمدرسة ، الذي بقيت معه 8 سنين ، وقد تم ذلك الزواج في فترة الحرب 12-يوليو الأخيرة ، وجاءت مع زوجها إلى الكويت حيث يعمل , وهذا المكان (الكويت) كان المكان الذي التقيا والديها فيه ، و أحبوا بعضهما ، والآن هي حامل وتنوي أن تسمي أبنتها على اسم أمها ، وهي تعيش حياة سعيدة بعد أن عانت طويلا.

ملاحظة: اسم سارة مستعار ولكنه كان أحد الأسماء التي كانت تنوي أمها أن تسميها فأستعانت به.